كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)}.
تخلص من إثبات بعثة الرسل وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى إبطال الشركاء لله، فالجملة معطوفة على جملة {أفمن وعدناه وعدًا حسنًا} [القصص: 61] مفيدة سبب كونهم من المحضرين، أي لأنهم اتخذوا من دون الله شركاء، وزعموا أنهم يشفعون لهم فإذا هم لا يجدونهم يوم يحضرون للعذاب، فلك أن تجعل مبدأ الجملة قوله: {يناديهم} فيكون عطفًا على جملة {ثم هو يوم القيامة من المحضرين} [القصص: 61] أي يحضرون و{يناديهم فيقول أين شركائي}. إلخ.
ولك أن تجعل مبدأ الجملة قوله: {يوم يناديهم}.
ولك أن تجعله عطف مفردات فيكون {يوم يناديهم} عطفًا على {يوم القيامة من المحضرين} [القصص: 61] فيكون {يوم يناديهم} عين {يوم القيامة} وكان حقه أن يأتي بدلًا من {يوم القيامة} لكنه عدل عن الإبدال إلى العطف لاختلاف حال ذلك اليوم باختلاف العنوان، فنزل منزلة يوم مغاير زيادة في تهويل ذلك اليوم.
ولك أن تجعل {يوم يناديهم} منصوبًا بفعل مقدر بعد واو العطف بتقدير: اذكر، أو بتقدير فعل دل عليه معنى النداء.
واستفهام التوبيخ من حصول أمر فظيع، تقديره: يوم يناديهم يكون ما لا يوصف من الرعب.
وضمير {يناديهم} المرفوع عائد إلى الله تعالى.
وضمير الجمع المنصوب عائد إلى المتحدث عنهم في الآيات السابقة ابتداء من قوله: {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} [القصص: 57] فالمنادون جميع المشركين كما اقتضاه قوله تعالى: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون}.
والاستفهام بكلمة {أين} ظاهره استفهام عن المكان الذي يوجد فيه الشركاء ولكنه مستعمل كناية عن انتفاء وجود الشركاء المزعومين يومئذ، فالاستفهام مستعمل في الانتفاء.
ومفعولا {تزعمون} محذوفان دل عليهما {شركائي الذين كنتم تزعمون} أي تزعمونهم شركائي، وهذا الحذف اختصار وهو جائز في مفعولي ظن.
وجردت جملة {قال الذين حق عليهم القول} عن حرف العطف لأنها وقعت في موقع المحاورة فهي جواب عن قوله تعالى: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون}.
والذين تصدوا للجواب هم بعض المنادين ب {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} علموا أنهم الأحرياء بالجواب.
وهؤلاء هم أئمة أهل الشرك من أهل مكة مثل أبي جهل وأمية بن خلف وسدنة أصنامهم كسادن العزى.
ولذلك عبّر عنهم ب {الذين حقّ عليهم القول} ولم يعبر عنهم ب قالوا.
ومعنى {حق عليهم القول} يجوز أن يكون {حق} بمعنى تحقق وثبت ويكون القول قولا معهودًا وهو ما عهد للمسلمين من قوله تعالى: {وحقَّ القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13] وقوله: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} [الزمر: 19] فالذين حق عليهم القول هم الذين حل الإبان الذي يحق عليهم فيه هذا القول.
والمعنى: أن الله ألجأهم إلى الاعتراف بأنهم أضلوا الضالين وأغووهم.
ويجوز أن يكون {حق} بمعنى وجب وتعين، أي حق عليهم الجواب لأنهم علموا أن قوله تعالى: {فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} موجه إليهم فلم يكن لهم بد من إجابة ذلك السؤال.
ويكون المراد بالقول جنس القول، أي الكلام الذي يقال في ذلك المقام وهو الجواب عن الاستفهام بقوله: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} وعلى كلا الاحتمالين فالذين حق عليهم القول هم أئمة الكفر كما يقتضيه قوله تعالى: {هؤلاء الذين أغوينا}. إلخ.
والتعريف في {القول} الأظهر أنه تعريف الجنس وهو ما دل عليه {قال} أي قال الذين حق عليهم أن يقولوا، أي الذين كانوا أحرى بأن يجيبوا لعلمهم بأن تبعة المسئول عنه واقعة عليهم لأنه لما وجه التوبيخ إلى جملتهم تعين أن يتصدى للجواب الفريق الذين ثبتوا العامة على الشرك وأضلوا الدهماء.
وابتدأوا جوابهم بتوجيه النداء إلى الله بعنوان أنه ربهم، نداء أريد منه الاستعطاف بأنه الذي خلقهم اعترافًا منهم بالعبودية وتمهيدًا للتنصل من أن يكونوا هم المخترعين لدين الشرك فإنهم إنما تلقوه عن غيرهم من سلفهم، والإشارة ب {هؤلاء} إلى بقية المنادين معهم قصدًا لأن يتميزوا عمن سواهم من أهل الموقف وذلك بإلهام من الله ليزدادوا رُعبًا، وأن يكون لهم مطمع في التخليص.
و{الذين أغوينا} خبر عن اسم الإشارة وهو اعتراف بأنهم أغووهم.
وجملة {أغويناهم كما غوينا} استئناف بياني لجملة {الذين أغوينا} لأن اعترافهم بأنهم أغووهم يثير سؤال سائل متعجب كيف يعترفون بمثل هذا الجرم فأرادوا بيان الباعث لهم على إغواء إخوانهم وهو أنهم بثوا في عامة أتباعهم الغواية المستقرة في نفوسهم وظنوا أن ذلك الاعتراف يخفف عنهم من العذاب بقرينة قولهم {تبرّأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون}.
وإنما لم يقتصر على جملة {أغويناهم} بأن يقال: هؤلاء الذين أغويناهم كما غوينا، لقصد الاهتمام بذكر هذا الإغواء بتأكيده اللفظي، وبإجماله في المرة الأولى وتفصيله في المرة الثانية، فليست إعادة فعل {أغوينا} لمجرد التأكيد.
قال ابن جني في كتاب التنبيه على إعراب الحماسة عند قول الأحوص:
فإذا تزول تزول عن متخمط ** تخشى بوادره على الأقران

إنما جاز أن يقول: فإذا تزول تزول، لما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفاد منه الفائدة، ومثله قول الله تعالى: {هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا} ولو قال: هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم لم يُفد القول شيئًا، لأنه كقولك: الذي ضربته ضربته، والتي أكرمتها أكرمتها، ولكن لما اتصل ب {أغويناهم} الثانية قوله: {كما غوينا} أفاد الكلام كقولك: الذي ضربته ضربته لأنه جاهل.
وقد كان أبو علي امتنع في هذه الآية مما اخترناه غير أن الأمر فيها عندي على ما عرفتك. اهـ.
وقد تقدم بيان كلامه عند قوله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} في سورة الاسراء (7)، وقوله: {وإذا بطشتم بطشتم جبارين} في سورة الشعراء (130)، وقوله: {وإذا مروا باللغو مروا كرامًا} في سورة الفرقان (72)، فإن تلك الآيات تطابق بيت الأحوص لاشتمالهن على إذا.
و{كما غوينا} صفة لمصدر، أي إغواء يوقع في نفوسهم غيًّا مثل الغي الذي في قلوبنا.
ووجه الشبه في أنهم تلقوا الغواية من غيرهم فأفاد التشبيه أن المجيبين أغواهم مُغوون قبلهم، وهم يحسبون هذا الجواب يدفع التبعة عنهم ويتوهمون أن السير على قدم الغاوين يبرر الغواية، وهذا كما حكى عنهم في سورة الشعراء (96، 99) {قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون} وحذف مفعول فعل {أغوينا} الأول وهو العائد من الصلة إلى الموصول لكثرة حذف أمثاله من كل عائد صلة هو ضمير نصب متصل وناصبه فعل أو وصف شبيه بالفعل، لأن اسم الموصول مغن عن ذكره ودال عليه فكان حذف العائد اختصارًا.
وذكر مفعول فعل {أغويناهم} الثاني اهتمامًا بذكره لعدم الاستغناء عنه في الاستعمال.
وجملة {تبرأنا إليك} استئناف.
والتبرؤ: تفعل من البراءة وهي انتفاء ما يصم، فالتبرؤ: معالجة إثبات البراءة وتحقيقها.
وهو يتعدى إلى من يحاول إثبات البراءة لأجله بحرف إلى الدال على الانتهاء المجازي؛ يقال: إني أبرأ إلى الله من كذا، أي أوجه براءتي إلى الله، كما يتعدى إلى الشيء الذي يَصِم بحرف من الاتصالية التي هي للابتداء المجازي قال تعالى: {فبراه الله مما قالوا} [الأحزاب: 69].
وقد تدخل من على اسم ذات باعتبار مضاف مقدر نحو قوله تعالى: {وقال إني بريء منكم} [الأنفال: 48] أي من كفركم.
والتقدير: من أعمالكم وشئونكم إما من أعمال خاصة يدل عليها المقام أو من عدة أعمال.
فالمعنى هنا تحقق التبرؤ لديك والمتبرأ منه هو مضمون جملة {ما كانوا إيانا يعبدون} فهي بيان لإجمال التبرؤ.
والمقصود: أنهم يتبرؤون من أن يكونوا هم المزعوم أنهم شركاء وإنما قصارى أمرهم أنهم مضلون وكان هذا المقصد إلجاء من الله إياهم ليعلنوا تنصلهم من ادعاء أنهم شركاء على رءوس الملأ، أو حملهم على ذلك ما يشاهدون من فظاعة عذاب كل من ادعى المشركون له الإلهية باطلًا لما سمعوا قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون عن دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98].
هذا ما انطوت عليه هذه الآية من المعاني.
وتقديم {إيانا} على {يعبدون} دون أن يقال يعبدوننا للاهتمام بهذا التبرؤ مع الرعاية على الفاصلة.
{وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)}.
هذا موجه إلى جميع الذين نودوا بقوله: {أين شركائي الذين كنتم تزعمون} [القصص: 62] فإن ذلك النداء كان توبيخًا لهم على اتخاذهم آلهة شركاء لله تعالى.
فلما شعروا بالمقصد من ندائهم وتصدى كبراؤهم للاعتذار عن اتخاذهم أتبع ذلك بهذا القول.
وأسند فعل القول إلى المجهول لأن الفاعل معلوم مما تقدم، أي وقال الله.
والأمر مستعمل في الإطماع لتعقب الإطماع باليأس.
وإضافة الشركاء إلى ضمير المخاطبين لأنهم الذين ادعوا لهم الشركة كما في آية الأنعام (94) {الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} والدعاء دعاء الاستغاثة حسب زعمهم أنهم شفعاؤهم عند الله في الدنيا.
وقوله: {فلم يستجيبوا لهم} هو محل التأييس المقصود من الكلام.
وأما قوله تعالى: {ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون} فيحتمل معاني كثيرة فرضها المفسرون: وجماع أقوالهم فيها أخذًا وردًا أن نجمعها في أربعة وجوه:
أحدها: أن يكون عطفًا على جملة {فلم يستجيبوا لهم}.
والرؤية بصرية، والعذاب عذاب الآخرة، أي أحضر لهم آلة العذاب ليعلموا أن شركاءهم لا يغنون عنهم شيئًا.
وعلى هذا تكون جملة {لو أنهم كانوا يهتدون} مستأنفة ابتدائية مستقلة عن جملة {ورأوا العذاب}.
الثاني: أن تكون الواو للحال والرؤية أيضًا بصرية والعذاب عذاب الآخرة، أي وقد رأوا العذاب فارتبكوا في الاهتداء إلى سبيل الخلاص فقيل لهم: ادعوا شركاءكم لخلاصكم، وتكون جملة {لو أنهم كانوا يهتدون} كذلك مستأنفة ابتدائية.
الثالث: أن تكون الرؤية علمية، وحذف المفعول الثاني اختصارًا، والعذاب عذاب الآخرة.
والمعنى: وعلموا العذاب حائقًا بهم، والواو للعطف أو الحال.
وجملة {لو أنهم كانوا يهتدون} مستأنفة استئنافًا بيانيًا كأن سائلًا سأل: ماذا صنعوا حين تحققوا أنهم معذبون؟ فأجيب بأنهم لو أنهم كانوا يهتدون سبيلًا لسلكوه ولكنهم لا سبيل لهم إلى النجاة.
وعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون {لو} حرف شرط وجوابها محذوفًا دل عليه حذف مفعول {يهتدون} أي يهتدون خلاصًا أو سبيلًا.
والتقدير: لتخلصوا منه.
وعلى الوجوه الثلاثة ففعل {كانوا} مزيد في الكلام لتوكيد خبر أنّ أي لو أنهم يهتدون اهتداء متمكنًا من نفوسهم، وفي ذلك إيماء أنهم حينئذ لا قرارة لنفوسهم.
وصيغة المضارع في {يهتدون} دالة على التجدد فالاهتداء منقطع عنهم وهو كناية عن عدم الاهتداء من أصله.